كتابة الشخصية الدِّرامية تحتاجُ إلى وعيّ عميق بكلٍ تقنياتها وأسرارها وحيالها تبعاً لقواعد التأليف المسرحي مع مراعاة تحول ذلك النصّ إلى عرض, كتابة و رسم الشخصية الدِّرامية يتطلبُ المَلَكَة الفكرية والموهبة الحقيقية والدِّراسة الأكاديمية للتعرف على القواعد الصحيحة التي يتطلبها التأليف المسرحي, فالتمكُن من رسمِّ الشخصية الدِّرامية يساعدُ القارئ على فهمِّ النص والاستمتاع به وهنا يجبُ على الكاتب الدِّرامي أن تتوفر لديه مجموعة من الإمكانيات والمهارات منها الخبرة بالنماذجِ البشرية, لذا فمفهوم الكاتب المسرحي لمضمونه يتشكُل "طبقاً لأسلوب معالجته دراميًا وهناك الكاتبُ الذي يخضعُ مضمونه الفكري لحتميات الدِّراما، وهناك الكاتب الذي يلحُّ عليه المضمون إلحاحًا قد يجعلُ من شخوصه المسرحية أداة عابرة لتوصيل رسالته كبوق أجوف فمن ضمن إشكالية الكتابة في رسم الشخصية أن تكون الشخصية مهلهلة البناء ومتخمة بالخطبِ"(1) والشعارات الرنانة ومن هنا يأتي أهمية مصداقية الشخصية لإحداث التوازن والتفاعل كضرورة منطقية وجمالية مُلحة داخل النص المسرحي وهذا يحتمُّ على المؤلف أن يكون ذا ثقافة شاملة ووعي حضاري عميق، فإشكالية الكتابة المسرحية في رسم الشخصية الدِّرامية نابعاً من الفوارق بين الكتُّاب المسرحيين, فكل كاتب له خصوصيته وثقافته وبيئته وأسلوب تفكيره ونظرته للأشياء وميوله الفنية وتأثير العصر الذي يعيش فيه وبالتالي يظلُّ المحك الرئيس لقدرة الكاتب المسرحي متمثلاً في تمكنه من أسرار صنعته المسرحية التي تتمثلُ في عناصر التكثيف والبلورة وتدفق السياق في عفوية وحيوية وليس في تضارب وتناقض الشخصية مع أقوالها وأفعالها ومكانتها الاجتماعية أو تصارعها مع الرسالات السماوية والأعراف الاجتماعية والبيئة المحيطة دون مبررات درامية مقنعة أو إقحام الشخصية الدِّرامية في أحداث ليس ذات صلة وثيقة بالأحداث وبالتالي يحدث الخلل في تحولات الشخصية الدِّرامية من النقيض للنقيض , فالأحداث الدِّرامية يجبُّ أن تسيرُ في تصاعد وتتابع وبناء فني قائم على قانون السبب والنتيجة تتابعاً منطقاً متسقاً لا يسمح لأى عنصر دخيل كي يدسَ نفسه فيضعف من إيقاعه ويدخله في متاهات جانبية أو دوائر مفرغة ، على الجانب الآخر نجدُ أن العلاقة بين المسرح والنقد المسرحي علاقة تكاملية فلا نقد بدون مسرح ولا مسرح بدون نقد, وعلى الناقد المسرحي أن يزود نفسه بكافة الوسائل التي يستطيعُ أن تؤهله لكي يكون دعامة في إيصال رسالة المسرح الفنّية والإنسانية, فالنقد المسرحي له ضوابط علمية ومعايير موضوعية وأساليب جمالية حتى تكونَ العملية النقدية فعّالة في تحليل المضمون الفكري للنص المسرحي وفي التحليل الفني للشخصيات الدِّرامية.
مشكلة البحث وتساؤلاته
تعدُّ الشخصية الدِّرامية من العناصر الأساسية المكونة للمسرحية، والوسيلة الأولى للكاتب المسرحي بترجمة الأحداث إلى حركة بما تفعله الشخصية وما تظهره وما تشاركُ فيه من صراع وقضايا تكون المادة الحيوية في الكتابة المسرحية ,ورغم زخم النصوص المسرحية الإبداعية إلا أنَّ البعض منها لا يخلو من الأخطاء والثغرات وقد يصلُّ إلى حدِّ الخلل الفني في رسم أحد شخوصه الدِّرامية رغم الخبرات الحياتية والخبرات الأكاديمية وتجارب الآخرين والتأثر بالتيارات والمدارس المسرحية الغربية سواء في الكتابة أو الاستلهام من القديم أو الحديث أو بالعودة للموروث الشعبي، أو قد تكون أخطاء فنية وفكرية في رسم الشخصية الدِّرامية وتحولاتها الدِّرامية أو في تصادم الشخصية الدِّرامية مع الرسالات السماوية أو الأعراف الاجتماعية السائدة وغيرها من الإشكاليات والأخطاء الفنّية وبناء عليه تمثلت مشكلة البحث في السؤال الرئيس التالي:
ما الرؤية النقدية لإشكالية الكتابة في رسم الشخصية الدرامية المسرحية لعينة البحث ؟
تساؤلات البحث
ما شروط رسم الشخصية الدِّرامية المسرحية وأنواع التحول الدِّرامي لها؟
ما الأخطاء والمآخذ في الكتابة في رسم الشخصية الدِّرامية التي يجبُّ أن يتجنبها الكاتبُ المسرحي خاصة فى النماذج المختارة؟
ما شروط وسمات الكتابة الإبداعية لرسم الشخصية الدِّرامية وتقنياتها الجديدة؟
أهداف البحث
تسليط الضوء على مفهوم الشخصيات الدِّرامية وأنواعها.
تسليط الضوء على الأخطاء والمآخذ والعوائق في كتابة ورسم الشخصية الدِّرامية المسرحية.
يهدفُ البحث إلى رصد السمات والخصائص للكتابة الإبداعية في رسم الشخصية الدِّرامية في النص المسرحي.
إيضاح إشكالية الكتابة في رسم الشخصية الدِّرامية المسرحية من حيث دوافعها وتحولاتها في عينة المسرحيات المختارة في البحث.
أهمية البحث
تأتي أهمية البحث في كونه دراسة جديدة في مجال التحليل الفني للأدب المسرحي حيثُ يفتقدُّ العاملون والباحثون المهتمون بالدراسات المسرحية النقدية في هذا المجال.
رصد إشكالية الكتابة المسرحية في رسم الشخصية الدِّرامية وتوعية الكاتبُ المسرحي لتجنب تكرار تلك الأخطاء والمآخذ في تناوله الشخصية الدِّرامية كما سيتضحُ ذلك في تناول النصوص المختارة عينة البحث.
إبراز السمات والخصائص التي يجبُّ أن يمتثل بها الكاتبُ المسرحي في رسم الشخصية الدِّرامية.
منهج البحث
استخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي.
عينة البحث : (النصوص المسرحية المختارة)
أحمد شـوقـي : مجنون ليلى, الأعمال الكاملة القاهرة , الهيئة المصرية العامة للكتاب 1984م.
توفيـق الحكيـم: الملك أوديب, القاهرة ,المطبعة النموذجية, 1949م.
توفيـق الحكيـم: السلطان الحائر, القاهرة, دار الشروق, 2006م.
|