يسعى البحث إلى تطبيق مفهوم "كسر أفق التوقع"، الذي قدمه Hans Robert Jauss ضمن إطار نظرية التلقي؛ على قصيدة المتنبي في مدح كافور الإخشيدي، وذلك بهدف الكشف عن الكيفية التي يتجاوز بها النص الشعري توقعات القارئ المسبقة، ويُثير فضوله الفكري والعاطفي. كما يهدف البحث إلى تسليط الضوء على أهمية نظرية التلقي في تحليل الشعر العربي القديم، من خلال استعراض نماذج لشعراء قدماء استطاعوا توظيف هذا المفهوم بإبداع؛ مما يُظهر مدى فعالية هذه النظرية في فهم النصوص الشعرية وتفاعلاتها مع القراء عبر العصور.
يركز البحث على الدور المحوري للقارئ في عملية تأويل النص وتفاعله معه، ويؤكد أن هذه النظرية تُعد أداةً منهجية فعالة لفهم العلاقة الديناميكية بين النص والمتلقي، وقدرة النص على خلق تجربة قرائية غنية ومثيرة تتجاوز التوقعات التقليدية. كما يبرز البحث كيف يمكن لهذه النظرية أن تُسهم في إعادة قراءة النصوص الشعرية الكلاسيكية بمنظور جديد، يكشف عن طبقاتها الدلالية والفنية التي قد تكون غائبة عن القراءة التقليدية.
ومن خلال تطبيق هذه النظرية على قصيدة المتنبي، يتضح كيف استطاع الشاعر أن يصوغ نصًا شعريًا متميزًا، معتمدًا على أساليب فنية ولغوية غير مألوفة؛ هذا إلى جانب إبداعه في توظيف المفارقة بأنواعها المختلفة (الحدث- الدراما- التصوير- اللفظ-...)، مما يفتح آفاقًا جديدة للتأويل والتفسير، ويعزز فهمنا لقدرة النص الشعري على التفاعل مع المتلقي بطرق مبتكرة ومثيرة.
جاء هذا البحث موزَّعًا على مقدمة وثلاثة مباحث رئيسة وخاتمة. خُصِّصت المقدمة لبيان أهمية الموضوع الذي يتناوله البحث، وتسليط الضوء على أبرز الإشكاليات التي يطرحها، إلى جانب توضيح المنهجية المعتمدة، والإشارة إلى الدراسات السابقة ذات الصلة، أما المبحث الأول، بعنوان: "جماليات التلقّي: من بناء أفق التوقّع إلى كسره في النص الأدبي"، وقد عُني بالجانب النظري؛ إذ تناولتُ فيه مفهوم كسر أفق التلقّي كما ظهر في الدراسات الأدبية الحديثة، وعرّفتُ مصطلح أفق التوقّع بوصفه مفهومًا نقديًّا، ومدى دوره في تأسيس العلاقة التفاعلية بين النص والقارئ. وفي المبحث الثاني، المسمى بـ "إبداع الشاعر القديم في كسر أفق المتلقي"، توجَّهتُ في هذا المبحث للإجابة عن سؤالٍ رئيس مفاده: هل كان للمتلقّي حضورٌ فعّال في بنية الأدب العربي منذ العصور الأولى؟ وقد وقفتُ في هذا السياق على دور المجالس الأدبية في تفعيل هذا الحضور، مع تتبّع كيفية إبداع الشاعر العربي القديم في كسر أفق توقّعات المتلقّين من خلال تلاعبه بالسياقات والأساليب. أما المبحث الثالث: تقنيات المفاجأة والتجديد الفني في قصيدة كفى بك داء؛ وقد خُصِّص لدراسة النموذج التطبيقي للدراسة، "كفى بك داء، وقسّمته إلى ثلاثة محاور رئيسة: تناول الأول شخصية الشاعر من حيث خلفيّته التاريخية والنفسية والاجتماعية، وسياق القصيدة؛ بينما تضمّن الثاني نصَّ القصيدة محلّ الدراسة؛ في حين ركّز المحور الثالث على تحليل آليات كسر أفق التوقّع في القصيدة، مع إبراز مظاهر المفارقة الفنية والانزياح الدلالي والصور المبتكرة، واختُتم البحث بخاتمة عرضتُ فيها أبرز النتائج التي تمّ التوصّل إليها، تلاها ثبتٌ بالمصادر والمراجع التي تمّ الاعتماد عليها في إعداد البحث.
|