يعرض هذا الفصل للإجراءات المنهجية المقدمة فى الدراسة بداية من عرض أهمية الدراسة والتعرف على الأسباب والدوافع المبررة لاختيار الموضوع , وإلى أى مدى لعب الدين دورًا هامًا فى حياة مصر السياسية عبر تاريخها الحديث والمعاصر, يليها الأهداف التى تسعى الدراسة إلى تحقيقها للوقوف على طبيعة هذه الاستخدامات والآليات التى أتبعتها الأنظمة المتعاقبة على حكم مصر لتسخير الدين, يلى ذلك عرض إشكالية الدراسة وأهم التساؤلات التى تم بلورتها للإجابة على إشكالية الدراسة, والمفاهيم الأساسية للدراسة, وبالإضافة إلى ذلك يعرض الفصل الاستراتيجية المنهجية للدراسة ومصادر جمع المادة العلمية (المعطيات التاريخية) كمصدر إمبريقى للاستخدامات الدين فى الحياة السياسية, وأساليب تحليلها وتفسيرها.
يلعب الدين دورًا هامًا فى الحياة الاجتماعية, وهو يعد المصدر الرئيسى للقيم التى توجه السلوك, كما أن المعتقد الدينى يعمل على خلق صلة طبيعية بين الإنسان وبين عالم الدنيا من ناحية, وعالم ما بعد الطبيعة من ناحية أخرى, ومن هنا فإن الدين يمنح الحياة معنى لدى ممارسيه, ويجعلهم على يقين بأن ثمة هدفًا ما وراء هذه الحياة, وأن الحياة يجب أن تعاش من أجل هذا الهدف. ولذا فإن الدين لا يعد فقط مصدرًا للقيم, بل هو طاقة وجود؛ فمنه يستمد الناس هويتهم, وتبريرهم لوجودهم ولهدف هذا الوجود( ). ويؤكد "حسن حنفى" أن المقدس ما هى فطرية النفس البشرية ولا يمكن بالتالى استئصالها بأى دعوى كانت عقلانية أو علمانية أو حتى بإدعاء التطور, أما ما يكتسب فى المقدس فهو شكله الخارجى المتمثل فى العبادات والطقوس( ).
أولى علماء الاجتماع أهمية قصوى لدراسة الدين فى تحليلاتهم لأسس الحياة الاجتماعية وأسس الفعل الاجتماعى, والممارسة الاجتماعية عبر الحياة, ورغم اختلاف نظرتهم للدين إلا أنهم أجمعوا على أنه أحد حقول الحياة الاجتماعية الهامة, إن لم يكن الحقل الرئيسى فى كثير من الأحيان( ).
اشتقت كلمة الدين لغويًا من اللفظ اللاتينى "Religare" بمعنى وحدة الجماعة وهويتها ومن الكلمة Religare بمعنى الممارسة. خصوصًا ممارسة طقوس التعبد الخاصة بالجماعة, بينما يدل لفظ دين فى العربية على المحاسبة, ولذلك يسمى يوم القيامة بيوم الدينونة, ومن أسماء الله الحسنى "الديان" بمعنى الحاكم والقاضى( ).
بالرجوع إلى معجم "لسان العرب" والكتب المقدسة نجد الدين يعنى الطاعة والخضوع والتسليم والانقياد والجزاء( ).
وقد أشار علماء الاجتماع خلال تاريخه- أى تاريخ العلم- إلى الأدوار المتعددة للدين, فقد أشار كلًا من دوركايم وڨيبر إلى الدور الإيجابى للدين, إذ يقول دوركايم إن الدين هو "نسق متكامل من المعتقدات والممارسات المتصلة بالموضوعات المقدسة البعيدة عنا, بحيث تشكل هذه المعتقدات والممارسات جماعة أخلاقية أو دينية واحدة وأن الدين مصدر التضامن الاجتماعى( ).
بينما نظر ڨيبر للدين على أنه طاقة فعالة فى المجتمع الحديث وأنه لم ير تعارضًا بين الدين والعقلانية, فالمجتمع الرأسمالى تخلص من كل جوانب السحر والأسطورية ولكنه حول الدين إلى طاقة عقلانية, فى حين نظر ماركس إلى أن القوة السائدة فى المجتمع تميل إلى استعمال الدين من أجل تثبيت شرعيتها وتشجيع الفقراء والضعفاء على تقبل أوضاعهم والعمل على الاستكانة لهذه الأوضاع بدلًا من محاولة تغييرها( ).
وفى طرح آخر يحدد كلًا من "بارسونز" و"بللا" الدين بأنه المستوى الأعلى والأعم فى الثقافة, ويرتكز على أن أى فعل إنسانى, غالبًا ما يكون الأفراد فيه محكومين بالمعايير الخاصة بالتفاعل فى النسق الاجتماعى, وهذا النسق الاجتماعى بدوره محكوم بالنسق الثقافى بما يتضمنه من قيم ومعتقدات دينية والتى هى بمثابة موجهات للفعل الإنسانى( ).
|
