يشكّل الحرف العربي في الفن الإسلامي جوهرًا بصريًا وروحيًا تتلاقى عنده القيم الجمالية والدلالات الرمزية، حيث يتحوّل من أداة لغوية إلى كيان تجريدي نابض بالقداسة والانتماء. وينطلق هذا البحث من إشكالية فلسفية وفنية تتمثّل في محدودية التناول التحليلي لتجريد الحروف العربية على الأسطح الخزفية المعاصرة، وغياب الربط المنهجي بين بعدها الروحي وهويتها البصرية داخل البناء الفني.
يستقصي البحث إمكانات الحروف العربية المجردة في إنتاج دلالات تشكيلية وروحية تتجاوز الوظيفة الزخرفية، وتندمج مع الخامة والسطح لتعزيز خطاب بصري معاصر يُعيد صياغة العلاقة بين الشكل والمضمون. ويستند إلى إطار نظري متنوع يشمل أبعاد التجريد في الفن الإسلامي، وتحولات الهوية البصرية للحرف، والدلالات الفلسفية التي انبثقت عنها أشكال التعبير الحروفي في الفن الخزفي.
وقد اعتمدت الباحثة على المنهج التجريبي – التطبيقي من خلال تنفيذ مجموعة من الأعمال الخزفية اليدوية التي تُجسّد الحروف العربية المجردة باستخدام تقنيات معاصرة (الحفر، التفريغ، الطينات الملونة، بالأكاسيد، البريق المعدني، الحريق المختزل). كما تم توظيف المنهج التحليلي – الوصفي في تحليل تلك الأعمال، واستقراء أبعادها الفكرية والجمالية.
يسعى البحث إلى إبراز الحرف العربي المجرد بوصفه وسيطًا تعبيريًا قادرًا على بناء هوية بصرية معاصرة، تعبّر عن روح التراث وتطلعات الحداثة. وقد نجحت الدراسة في تحقيق أهدافها عبر استكشاف لغة الحرف في السياق الخزفي الحديث، والكشف عن طاقاته التكوينية والروحية، وإعادة توظيفه في بناء تركيبي ينفتح على التأمل الجمالي والتعبير الفلسفي.
|