الفنُّ المسرحي هو خطاب فكري ينبعٌ من ذات إنسانية يحملُ في طياته رسالة تلك الذات إلى الآخرين والكاتب المسرحي حين يُبدعُ فنه يعملُ على إنتاج الصور الحياتية التي يعيشها المجتمع(1).
فهو الضمير الوعي لمجتمعه الذي لابدَّ أن يبلورَ وجدانه ، و يضع يده على نقاط القوة والضعف ، ويرى ما لا يراه الأشخاص العاديون فهو البؤرة التي تتركزُ فيها تجارب الحياة التي يعيشها ذلك المجتمع و تتجمعُ فيها كل الخصائص والمميزات والتحولات والإتجاهات(2)
ويٌعد "رشاد رشدي" من الكتاب المؤمنين بالعلاقة بين المسرح والمجتمع ففلسفة الفن الأخلاقي لديه هي أن الفنَ المسرحي الواجهة نحو إصلاح المجتمع فقد إستطاع أن يكسبَ مسرحه قوة التصوير والتعبير عن المواقف الإنسانية داخل المجتمع في إطار شبه كامل من خلال التعبير عن ذلك بفترات زمنية محددة أشار لها لكي يُعبَّر بشكلٍ مباشرٍ ، أو غير مباشر عن حدث اجتماعي وسياسي مرتبط بذلك التاريخ في قالب درامي(3)
إن الكتابة المسرحية قد لا تتقيد بالعصر الذي كتبت فيه لكنها قد تتخطاه إلى عصور أخرى تالية(4)
إن المسرح قادر على معالجة مشكلات وقضايا الإنسان المعاصر من خلال العودة إلى الماضي للإفادة من تجربته وإسقاط مضامينه الفكرية على الحاضر ، فالتيمة القديمة قد ترتدي ثوباً معاصراً وفي هذه الحالة فهي لا تزال تحتاج إلى إعادة توصيف لخطابها وتخريج لأفكارها ومن هذه المسرحيات رحلة خارج السور(5) التي وقع عليها الاختيار كنموذج من مسرحيات الكاتب فمن المعروف أن النموذج عنصر مفرد يمثلُ المجموع الذى ينتمى إليه ، وهذا النموذج قد قدَّمه من خلال رؤية مختلفة في الشكل والمضمون والوسائل التعبيرية (6) فقد تبني لون من البناء الدرامي يعتمدُ على البناء المتشابك المركب ، فالفكرة ، والحدث ، والمواقف الدرامية قدمها على مستويين هما العام والخاص ، وأزمة الشخصية الرئيسة يؤكدها بتجارب إنسانية فرعية إما عن طريق التكرار ، أو المعارضة ، أو التكرار والمعارضة معاً ويستعين بالشخصيات الغائبة ولكنها محركة للحدث ومفجرة للصراع ومؤثرة في الشخصيات الحاضرة ، ويُسلط الضوء على الجوانب المظلمة في بعض الشخصيات الحاضرة .
هذا فضلا عن توظيفه للرموز التي تُعبرُّ عن كيان كل شخصية على حدة ونظرتها إلى الحياة ، والمفارقات الدرامية ، والمزج والتداخل بين الكوميديا ، والتراجيديا ، والعناصر غير المتجانسة
" والمسرحية تعالج قضية الواقع والأمل من خلال تصويرها لحياة قطاع من المجتمع في فترة زمنية ظلًّ فيها خلف السور العام والخاص فترة طويلة وهو لا يدرك ولا يشعر بوجوده نتيجة عدم إحتكاكه بالواقع إحتكاكاً مباشراً ولهذا ظل يحتفظ للواقع بصورة وردية ولكن عندما خاض التجربة واحتك به وبدأ يتعرض للإجهاض الدائم و المستمر لأسباب خارجية وداخلية ذاتية أدرك وجود السور الذي حجب عنه الرؤية والنور ، وأفقده ذاته وقدرته على الفعل وتحديد ما يريد وما لا يريد ومن ثمًّ أصبحت قضية كسر وتحطيم هذا السور هو الشغل الشاغل في حياة هذا القطاع " (7).
|