المقدمة ومشكلة البحث
تعتبر السمنة مشكلة عالمية ومظهراً من مظاهر العصر الحديث الذي يتسم بالتطور التكنولوجي السريع في شتى مناحي الحياة؛ ففي العقود الأخيرة لعبت التكنولوجيا دورًا محوريًا في تسهيل حياة البشر وجعلها أكثر راحة ويسرًا، فظهرت العديد من الأدوات التكنولوجية وتطبيقات الهواتف الذكية التي تتيح للأفراد القيام بالعديد من المهام اليومية بسهولة تامة، مثل التسوق الإلكتروني، طلب الطعام، والعمل عن بُعد، وبالتزامن مع انتشار استخدام هذه الأدوات والتطبيقات التي ساهمت في تحسين الإنتاجية وتوفير الوقت والجهد؛ زادت معدلات انتشار الأمراض المرتبطة بقلة النشاط والحركة.
ويشير أكاز، فا Akyuz F (2007م) إلى أنه مع تزايد الاعتماد على هذه الأدوات والتطبيقات تقلصت حركة الإنسان؛ ومن ثم أصبح صيداً سميناً للعديد من أمراض سوء الحركة مثل زيادة الوزن والسمنة وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب وخشونة مفصلي الركبة وغيرها من أمراض العصر الحديث. (3)
وتشير منظمة الصحة العالمية عام (2022م) إلى تضاعف معدلات السمنة بين البالغين في جميع أنحاء العالم منذ عام 1990م، كما تضاعفت معدلات السمنة بين المراهقين أربع مرات حيث بلغ عدد الأفراد الذين يعانون من زيادة الوزن 2.5 مليار بالغ بنسبة قاربت 43% من إجمالي البالغين ممن تبلغ أعمارهم 18 عامًا فأكثر، ومن بينهم 890 مليونًا يعانون من السمنة. (39)
وتشكل السمنة وارتفاع مستويات دهون الدم عاملين خطرين للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، فقد توصلت إيميليا بنيامين وآخرون Benjamin EJ, et al (2019م) إلى أن الأفراد الذين يعانون من السمنة وارتفاع مستويات الكوليسترول الضار هم أكثر عرضة للإصابة بتصلب الشرايين، النوبات القلبية، والسكتات الدماغية؛ كما يرتبط ارتفاع دهون الدم أيضًا بزيادة خطر الإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائي، التي تتضمن مجموعة من الحالات مثل ارتفاع ضغط الدم، السكري، وارتفاع مستويات السكر في الدم. (8)
وفي ظل التزايد المستمر لمعدلات السمنة وزيادة الوزن على مستوى العالم، أصبح من الضروري استكشاف أساليب فعالة لمكافحة هذه المشكلة الصحية المتفاقمة، وتُعد الأندية الصحية ملاذاً للكثيرين بهدف التخلص من الوزن الزائد وتحسين مستويات لياقتهم البدنية؛ وقد لاحظ الباحثان بصفتهم أعضاء بنادي اللياقة البدنية Fit & Lift بمدينة بنها بمحافظة القليوبية، أن العديد من رواد النادي يعانون من زيادة في الوزن رغم انخراطهم في ممارسة تمرينات الكارديو لفترات طويلة دون تحقيق نتائج ملموسة، حتى أن بعضهم عزف عن ممارسة هذه التمرينات؛ وبدراسة حالة هؤلاء الأفراد وتتبع مستواهم، تبين أن بعضهم خضع بالفعل لبرامج تمرينات الكارديو ولكن بصورة غير منتظمة وأقرب إلى العشوائية، وسواء كانت هذه البرامج مخصصة لهم أو مُعدة مسبقاً، فقد لوحظ أن الجمود والنمطية سمات غالبة لهذه البرامج مع عدم الأخذ في الاعتبار الفروق الفردية أو المبادئ العلمية الحديثة في تصميمها؛ وهذا ما دفع الباحثان للتفكير بجدية في دراسة تأثير تمرينات الكارديو على هذه الفئة باستخدام أسلوبين مختلفين، وهما أسلوب التمرينات المستمرة متوسطة الشدة (Moderate-Intensity Continuous Training - MICT) وأسلوب التمرينات المتقطعة عالية الشدة (High-Intensity Interval Training - HIIT).
ويأتي اختيار الباحثين لهذين الأسلوبين بسبب كونهما من أكثر الأساليب الشائعة في تمرين الكارديو، ولكل منهما مزاياه الخاصة؛ حيث تعتمد تمرينات الـ MICT على الأداء البدني المستمر لمدة طويلة وبشدة متوسطة، مما يجعلها مناسبة للأشخاص الذين يفضلون الثبات في أداء التمارين لفترات أطول، وفي المقابل تعتمد تمرينات الـ HIIT على تقديم تمرينات قصيرة الأمد ولكن بشدة عالية متقطعة، مما يوفر الوقت ويعزز معدلات حرق الدهون بشكل أسرع، آخذين في الحسبان مراعاة الفروق الفردية ومستوى اللياقة البدنية لكل فرد.
ويعتزم الباحثان من خلال هذه الدراسة مقارنة تأثير هذين الأسلوبين على دهون الدم ومؤشر كتلة الجسم، وذلك لتحديد الأسلوب الأكثر فعالية في تحسين الصحة العامة والتخلص من الوزن الزائد بشكل أكثر فعالية.
هدف البحث
يهدف البحث إلى دراسة تأثير تمرينات الكارديو على دهون الدم ومؤشر كتلة الجسم لدى مرتادي الأندية الصحية.
فروض البحث
1. توجد فروق دالة إحصائياً بين القياسات (القبلي – البيني - البعدي) في نسبة دهون الدم ومؤشر كتلة الجسم لدى المجموعة التجريبية الأولى "أ" ولصالح القياس البعدي.
2. توجد فروق دالة إحصائياً بين القياسات (القبلي – البيني - البعدي) في نسبة دهون الدم ومؤشر كتلة الجسم لدى المجموعة التجريبية الثانية "ب" ولصالح القياس البعدي.
3. توجد فروق دالة إحصائياً بين متوسطات القياسات البعدية للمجموعتين التجريبيتين "أ" و"ب" فى متغيرات الدراسة ولصالح قياسات المجموعة "ب".
مصطلحات البحث
1. مؤشر كتلة الجسم Body Mass Index
ويُعرف اختصاراً بـ (BMI) وهو مقياس يستخدم لتقييم العلاقة بين الوزن والطول لتحديد ما إذا كان الشخص ضمن نطاق الوزن الصحي، ويتم حسابه بقسمة وزن الشخص بالكيلوجرامات على مربع طوله بالأمتار، ويعد هذا المقياس وسيلة شائعة لتصنيف الأفراد إلى فئات مختلفة مثل النحافة، الوزن الطبيعي، زيادة الوزن، والسمنة. (27)
2. الهيموجلوبين Hemoglobin
ويُعرف اختصاراً بـ (H. B) وهو بروتين موجود في خلايا الدم الحمراء، ويُعد المسؤول عن نقل الأكسجين من الرئتين إلى جميع أجزاء الجسم، وكذلك نقل ثاني أكسيد الكربون من الأنسجة إلى الرئتين ليتم التخلص منه. (5)
3. البروتين الدهني منخفض الكثافة Low-Density Lipoprotein
ويُعرف اختصاراً بـ (LDL) وهو نوع من البروتينات الدهنية التي تحمل الكوليسترول في الدم، ويُعرف كذلك بـ "الكوليسترول الضار" لأنه يمكن أن يتراكم في جدران الشرايين، مما يؤدي إلى تصلب الشرايين وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب التاجية والسكتة الدماغية. (4)
4. البروتين الدهني عالي الكثافة High-Density Lipoprotein
ويُعرف اختصاراً بـ (HDL) وهو نوع من البروتينات الدهنية التي تحمل الكوليسترول بعيدًا عن الشرايين وتعيده إلى الكبد ليتم التخلص منه، ويُعرف كذلك بـ "الكوليسترول الجيد" لأنه يساعد في تقليل تراكم الكوليسترول الضار (LDL) في الشرايين، وبالتالي يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب. (4)
5. الكوليسترول الكلي Total Cholesterol
ويُعرف اختصاراً بـ (T. Cholesterol) وهو مقياس يعبر عن إجمالي كمية الكوليسترول في الدم، ويشمل الكوليسترول المرتبط بالبروتين الدهني منخفض الكثافة (LDL)، والبروتين الدهني عالي الكثافة (HDL)، وكذلك جزء من البروتينات الدهنية الأخرى مثل الدهون الثلاثية (Triglycerides)، ويُستخدم هذا المقياس لتقييم المخاطر المحتملة لأمراض القلب والأوعية الدموية. (4)
6. الدهون الثلاثية بالدم S. Triglycerides
هي نوع من الدهون الموجودة في الدم، وهي المصدر الرئيسي للطاقة المخزنة في الجسم. (4)
7. التمرين الهوائي المستمر متوسط الشدة Moderate Intensity Continuous Training
ويُعرف اختصاراً بـ (MICT) وهو التمرين الذي يتم تنفيذه بمستوى ثابت من الجهد البدني عند شدة معتدلة لفترة زمنية طويلة نسبيًا، وتُحدد شدته عادة ما بين 50% و70% من الحد الأقصى لمعدل ضربات القلب، ويعتبر هذا الأسلوب فعالًا في تعزيز صحة القلب والأوعية الدموية وحرق الدهون. (35)
8. التمرين الهوائي المتقطع مرتفع الشدة Hight Intensity Interval Training
ويُعرف اختصاراً بـ (HIIT) بالتمرين الذي يتضمن فترات متكررة قصيرة من الجهد البدني المكثف، يتبعها فترات قصيرة من الراحة أو النشاط منخفض الشدة، يتميز هذا الأسلوب بزيادة كبيرة في معدل ضربات القلب خلال فترات الشدة العالية، ويُظهر هذا النوع من التمرين فعالية في تحسين الأداء القلبي الوعائي وتكوين الجسم مقارنة بأساليب التدريب المستمر التقليدية. (17)
اجراءات البحث
• منهج البحث
استخدم الباحثان المنهج التجريبي لمناسبته لطبيعة البحث، وباستخدام التصميم التجريبي لمجموعتين "أ"، "ب" وباستخدام القياس (القبلي – البيني - البعدي).
مجتمع البحث
يتكون مجتمع البحث من الشباب فئة 30 إلى 35 سنة من الأصحاء ذوي الوزن الزائد من مرتادي نادي صحي Fit & Lift بمدينة بنها بمحافظة القليوبية.
• عينة البحث
بلغ حجم عينة البحث (20) فرداً من الأصحاء ذوي الوزن الزائد، تتراوح أعمارهم ما بين (30 _ 35) سنة، تم اختيارهم بالطريقة العمدية من بين مرتادي نادي صحي Fit & Lift بمدينة بنها بمحافظة القليويبية، حيث بلغ حجم العينة الأساسية (16) فرداً تم تقسيمهم إلى مجموعتين "أ"، "ب" قوام كل منهم (8) أفراد، فيما بلغ حجم العينة المستخدمة في الدراسة الاستطلاعية (4) أفراد من نفس مجتمع البحث وخارج عينة البحث الأساسية.
• الأدوات والأجهزة المستخدمة في البحث
• الأدوات المستخدمة
في ضوء القراءات النظرية والدراسات السابقة وطبقاً لما يتطلبه البحث قام الباحث باستخدام الأدوات التالية :-
رستاميتر لقياس الطول والوزن ميزان رقمي
سرنجات 5 سم لسحب عينة الدم رباط السحب لحجز الدم وظهور الوريد
أنابيب اختبار لحفظ عينة الدم وحدة سحب مدرجة للمحاليل المستخدمة
حضان لتوحيد درجة الحرارة 37 º لاصقات طبية توضع على مكان سحب عينة الدم
كحول إيثيلي لتطهير مكان سحب عينة الدم قطن طبي
ساعة إيقاف مادة كيميائية EDTA حتى يتم فصل عينة الدم إلى (Plasma + Frozen)
• الأجهزة المستخدمة
جهاز الطرد المركزي لفصل خلايا الدم مشاية كهربائية "Treadmill"
• أدوات جمع البيانات
قام الباحثان بإعداد الاستمارات التالية لتسجيل البيانات والنتائج الخاصة بعينة البحث:-
1. استمارة تسجيل بيانات العينة قيد البحث مرفق (1).
2. استمارة تسجيل نتائج اختبار القدرة على التحدث المستمر"VT 1 TALK TEST" مرفق (2).
• إختبار عينة الدم
تم اختبار عينة الدم الخاصة بأفراد العينة قيد البحث بمعمل "سمارت لاب للتحاليل الطبية" بمدينة بنها، وقد تم سحب العينات بواسطة فني المعمل في وجود الباحثان بنادي صحي Fit & Lift.
• الدراسة الأساسية
بعد الانتهاء من إجراءات الدراسة الاستطلاعية وما آلت إليه من نتائج، قام الباحثان بإجراء الدراسة الأساسية في الفترة من يوم الأحد 14 / 4 / 2024م إلى يوم الأربعاء 12 / 6 / 2024م، وتنقسم هذه الفترة إلى:-
1. القياسات القبلية يومي الأحد والإثنين 14-15 / 4 / 2024م.
2. بداية تطبيق البرنامج التدريبي يوم الأربعاء 17 / 4 / 2024م.
3. القياسات البينية يوم الخميس 9 / 5 / 2024م.
4. نهاية تطبيق البرنامج التدريبي يوم الثلاثاء 11 / 6 / 2024م.
5. القياسات البعدية يوم الأربعاء 12 / 6 / 2024م.
• المعالجات الإحصائية
استخدم الباحثان البرنامج الإحصائي (IBM SPSS Statistics) لمعالجة البيانات إحصائياً، واستعانا بالأساليب الإحصائية التالية: -
المتوسط الحسابي الوسيط الحسابي الإنحراف المعياري
معامل الإلتواء اختبار توكي لإيجاد أقل فرق معنوي "TUKEY HSD"
إختبار ت "T Test" للكشف عن دلالة الفروق الإحصائية
الاستنتاجات
في ضوء هدف البحث وفروضه، ووفقاً لإجراءات البحث، استنتج الباحث ما يلي:-
1. أظهرت النتائج أن التمرين الهوائي المستمر متوسط الشدة Moderate Intensity Continuous Training والمعروف اختصاراً بـ (MICT) و التمرين الهوائي المتقطع مرتفع الشدة Hight Intensity Interval Training والمعروف اختصاراً بـ (HIIT) يحققان تحسينات متقاربة في مستويات مؤشر كتلة الجسم ودهون الدم لدى العينة قيد البحث.
2. أظهرت النتائج أنه على الرغم من تقارب نتائج استخدام النوعين من التمرينات (MICT)، (HIIT) إلا أن تمرين الـ (HIIT) يتفوق من حيث عامل الوقت كونه يعد بديلاً فعالاً لتحسين مؤشر كتلة الجسم وانخفاض نسبة دهون الدم في وقت أقل نسبياً مقارنة بتمرين الـ (MICT).
التوصيات
في ضوء ماتوصل إليه الباحث من نتائج يوصي بما يلي:
1. اعتماد التمرين الهوائي المتقطع مرتفع الشدة (HIIT) كخيار فعال من حيث الوقت لتحسين مؤشر كتلة الجسم وتحسين نسبة دهون الدم، وخاصة للأفراد الذين لديهم لديهم زحام بالمهام اليومية.
2. استخدام اختبار التحدث TALK TEST لتحديد شدة تمرينات الكارديو وخاصة للأشخاص الطبيعين عوضاً عن استخدام المعادلات التقليدية التي تحدد شدة التمرين على أساس العُمر.
3. المزج بين نوعي التمرينات الهوائي المستمر متوسط الشدة (MICT) والهوائي المتقطع مرتفع الشدة (HIIT) في برامج إدارة الوزن للحصول على مزايا النوعين، مع الأخذ في الاعتبار مستوى اللياقته البدنية لدى كل فرد وتفضيلاته الشخصية بالنسبة لنوع التمرين.
4. تقديم الدعم النفسي لمرتادي الأندية الصحية ممن يعانون من الوزن الزائد من خلال التشجيع والتحفيز ومراقبة تقدم المستوى باستمرار لضمان استمراريتهم والتزامهم في التمرين. |